• الثلاثاء 12 مايو 2020 - 15:24
  • 657

باحث في شؤون التنمية والمجتمع المدني

قام الازهر بتنظيم المؤتمر  العالمي لتجديد الفكر الإسلامى، برئاسة الامام الاكبر الدكتور أحمد الطيب، وقد بدأ أعمال المؤتمر بالقاهرة، بحضور علماء 41 دولة عربية وإسلامية، وفي افتتاح أعمال المؤتمر وجهه  الرئيس السيسي عدة رسائل للمؤتمر ملخص مضمونها هو :-

 

- طالب المؤسسات الدينية  بإعطاء أهمية لتجديد الخطاب الدينى.

 

- وجه بأن التراخى في الاهتمام به يترك الساحة لأدعياء العلم والذين يدلسوا أحكام الشريعة السمحة.

 

- أوضح بأن التجديد ليس فى ثوابت الدين ولا العقيدة ولا الأحكام التى اتفق عليها الأئمة، وإنما فى فقه المعاملات فى مجالات الحياة العلمية.

 

- وقد أوضح سيادتة بأن من رحمة الله أنه شرع لنا أحكاما ثابتة و أحكاما تتغير وفقا للتطور، وأن الفتوى تتغير من بلد لبلد، ومن عصر لعصر، ومن شخص لشخص.

 

وقد سبق المؤتمر خلال السنوات الماضية، الكثير من الدعوات، التي تدعو الي، مراجعة كتب التراث الإسلامي، وتغيير، المناهج الازهرية، او تنقيحها، تحت دعوة تجديد الخطاب الدينى، بدعوة أن  بعضها قد يحتوي على ما يدعو الي التطرف والتشدد.

 

وهي دعوة أرى انها أصبحت في الأونة الاخيرة  مدخلا لكل لمن يريد توجيه سهامه المسمومة لمؤسسة الازهر ودورها في الحفاظ على الإسلام و مرجعياته ، ووسط تلك الأصوات المتعالية، بين مهاجم ومدافع ضاعت الأصوات المعتدلة ، والتي تدعو الي تطوير وتحديث الازهر واستعاد الريادة والتأثير كمؤسسة  تعليمية ومرجعية عالمية إسلامية.

 

فقد اختلطت الأمور حول تلك الدعوات، لعدم توضيح منذ البداية ما المقصود بتجديد للفكر الإسلامي او الخطاب الديني، وهو ما دفع  الرئيس السيسي ، ان يوضح في كلمته امام المؤتمر مقصده من مفهوم التجديد للخطاب الدينى وأهمية استعادة الازهر لدورة المجتمعي والدولي خاصة وان بعض تلك الدعوات الخبيثة قد طالبت النظر في تنقيح التراث، اوتغيير المناهج الدراسية،  بزعم ان  وجود التطرف والتشدد ، وما ارتكبته بعض الجماعات المتأسلمة من حماقات وأفعال غير انسانية، مرجعية تلك المناهج وكتب التراث الموروثة عبر القرون وهو رأي جانبه الصواب و غير منصف،  ويوضح  جهل صاحبها بآليات تكون وتنقيح التراث التي تمت عبر العصور او بدور الازهر كجامعة علمية عالمية،  في تجديد التراث الإسلامي وبصورة دورية من قبل مدارس فقيه متتابعة زمنيا.

 

فخلال القرون الخمس  الماضية، ونفس المناهج تدرس داخل الازهر، ولم نجد للجماعات المتطرفة وجود، وكان الازهر  خلال تلك القرون، ملاذا لكل فكر متجدد، يدعو الي الوسطية وصحيح الدين القائم على مكارم الأخلاق و التعايش السلمي بين جميع البشر بتنوعهم الحضاري والديني.

 

فبنظره موضوعية، وتأصيل تاريخي لنشأة وجود الجماعات المتطرفة في العصر الحديث في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، والبحث في سبب نشأتها، نجد ان جميع النتائج تسوقنا،  الي معاناة شعوب المنطقة والمجتمعات العربية والإسلامية نتيجه لغياب العدالة والانصاف اولا:في العلاقات الدولية بين الشعوب بعضها وبعض ثانيا:محليا داخل نفس المجتمعات وهى أوضاع بدأ ترسيخها مع مطلع القرن التاسع عشر ومع بدايات حركات الاستعمار الغربي للمنطقة العربية الاسلامية تلازم  مع ذلك  العمل على ترسيخ الجهل، و الامية، والتردى الحضارى و بتخطيط ومباركة من قوة الاستعمار.

 

وازدادت الأوضاع تأزما، مع اغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني، هذا بالاضافة الى محاولات الباس الصراع الدولي في الكثير من المناطق عباءة الدين، ومحاولة توظيف الدين فى لتحقيق اهداف سياسية وهو ما اساء للدين واعطي الفرصة للكارهين.

 

وتعتبر الصراع السعودي الإيراني مثال حي علي ذلك، فتلك الازمة في حقيقتها صراع سياسى لبسط النفوذ و الهيمنة على منطقة الخليج العربى بل على القرار العربي و الإسلامي دوليا.

 

ولكن وبقدرة قادر، يتحول هذا الصراع الى صراع مذهبي فيتم ضخ الأموال  لمد النفوذ السلفي الوهابي أيقونة الدولة السعودية فى الخليج والمنطقة العربية والإسلامية لمواجهة المد الشيعي الأمامي أيقونة الدولة الإيرانية.

 

وامام هذا الصراع يجد الازهر  باعتداله، وضعف موارده، ومحاولات الاقصاء، يسأل أين دوره في ذلك الصراع، بل يزج به في بعض الاحيان في محاولات لصبغه بأحد تلك الايقونات المذهبية ، ويطلب منه ان يواجه ذلك الصراع، و الأموال التي تنفق، وان يسعي لاخراج الإسلام من ذلك الصراع ، وهنا نسأل ، هل سبب ذلك الصراع الازهر ومناهجة؟

 

ومثال اخر الصراع السوفيتي الأمريكي في تسيعينيات القرن الماضي للهيمنة على وسط اسيا والتي كان من نتائجها الحرب الافغانية السوفيتية وتصدي الشعب الافغاني للغزو السوفيتي بكلل قوة ولاشعال الحرب من قبل الأمريكان ضد السوفيت تدفع الحكومة الامريكية النظم العربية وعلى رأسها دول الخليج الحليفه ان تمد الشعب الافغاني بالسلاح والأفراد تحت دعوة فتح باب الجهاد الإسلامي ضد السوفيت الكفره فيبدأ التوظيف السياسي الخاطئ للدين بالبحث في الدين عن ما يؤكد تلك الدعوة وتتشكل هناك جماعات نضال بعباءة الاسلام.

 

بالاضافة الى ذلك فخلال القرن الماضي و الدول الكبرى، تضرب بعرض الحائط بالقرارات  الدولية، و تأصل بالقانون ممارسات الظلم الواقعة على العديد من الشعوب، ومثال حي على ذلك القضية الفلسطينية وغياب العدالة الدولية.

 

فالقوانين الدولية لا تفعل الا على الدول الضعيفه  فالسياسة الدولية لا تعتبر الا لمنطق القوة وفرض الأمر الواقع،  وتحت هذه الأوضاع يضرب بالحائط كل المبادئ الانسانية والأخلاقية، فيتم قتل الملايين من البشر تحت دعوه المصالح العليا للدولة وتعتبر حالة العراق وسوريا وافغانستان وفلسطين وليبيا وبورما ومن قبل البوسنا والهرسك .... الخ مثال حي لغياب العدالة الدولية في القضايا الاسلامية في ظل صراع مصالح بين القوة الكبرى.

 

ونتيجه لتلك الأوضاع الظالمة  تشكلت جماعات محلية من داخل المجتمعات تحمل ايدلوجيات فكرية مختلفة منها الإسلامية ، تسعي لرفع تلك المظالم والدفاع عن مصالح شعوبها ورد الظلم وفقا لرؤيتها المحدودة، لصد بسط الهيمنه،  والقيام بدور الحكومات الغائبة.

 

ولتشوية ذلك النضال، وحق الشعوب عن الدفاع عن مصالحها، قامت أجهزة المخابرات التابعة للدول الكبرى، أصحاب المصالح في ذلك الصراع ،بانشأ وتأسيس جماعات تابعة لها، مندسه و مدعومه من تلك  القوة الدولية، واستغلالها في ذلك الصراع، ودفعها للقيام بممارسات غير انسانية، ليس لها أي مرجعية ولا تتوافق مع أي معايير انسانية او دينية ، وذلك بهدف تشوية صورة ذلك النضال او اتخاذها حجه للهجوم على حركات المقاومة، وليس  داعش  ببعيد كمثال ومن قبلها الجماعات الأفغانية التابعة للمخابرات الامريكية.

 

فنقول ان  السبب في تلك الحالة، الازهر بمناهجة، وهو لا ناقة له ولاجمل، ولاحول له ولاقوة في ذلك الصراع، فأي ذنب يقع على الازهر؟

 

وعندما نعيش داخل مجتمعات، تعانى من انهيار الفن والتعليم والثقافة، و ازمة هوية، وانهيار أخلاقي، وتشوه للشخصية والهوية الوطنيه ، وضع تم ترسيخه خلال العقود الماضية، نقول ان السبب المناهج  الازهرية.

 

ياسادة، حتى لا يستغل كل من له مطمع، او كاره للاسلام، او من هم اداة لاشعال الفتنه، لضرب مصر فى اغلى ما تملك، فتجديد  الخطاب الديني، وعلاج تأزم المجتمع، المتمثل في انهيار منظومة القيم والأخلاق، وتحقيق وسطية الدين ، لن يتم بتغيير المناهج الازهرية، حتى ولو قمنا بالغاء الازهر، فعلاج تلك الازمة سيأتى بعد القضاء على الأمية، والجهل، وتطبيق القانون، ومحاربة الفساد، وتحقيق العدالة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتحسين منظومة الاعلام، والاخلاق، والثقافة، والفنون.

 

فعدد  طلاب الازهر بالمعاهد والكليات تقريبا 2.5 مليون، والسؤال هنا : كم إرهابى خرج من الازهر؟، فعندما يكون هناك واحد أو عدد لايتجاوز عدد اصبع الأيدي، فهذا ليس مؤشر على سوء مناهج الازهر القائمة على التراث المنقول، خلال ١٤٠٠ سنه، بل هو مؤشر على أن تلك المناهج بما تحمله من سماحه ومن مكارم الأخلاق تؤثر تأثيرا إيجابيا ، فيمن يدرسونها، فكم يمثلوا هؤلاء المنحرفون من 2.5 مليون طالب ازهري؟

 

كما ان تعداد المسلمين يقارب على 2 مليار نسمة، فلو كان الإسلام في ثوابته واحكامه يدعوا الى القضاء على الاخر، ما كان يسكن غير المسلمين الشرق الأوسط الان، و ماكان المسلمين اقلية بالهند حتى الآن ، وقد حكموها 600 سنه، فلم  يفعل المسلمين ما فعله الاسبان بالمسلمين، فى الأندلس، بإقامة محاكم التفتيش، والقضاء علي كل ما هو غير مسيحي،  او ما فعله الاوربين، فى الهنود الحمر بأمريكا ، او الصرب فى البوسنا والهرسك، فعالجوا التردى الاخلاقى والحضاري و لاتحملوا الازهر إخفاقكم خلال الخمسون سنه واكثر  الماضية.

 

هل معنى ذلك ان الازهر لايحتاج الى التطوير والتحديث ؟  طبعا، هو في حاجه الى التطوير والتحديث، فليس هناك من لايحتاج الى التطوير والتحديث، فهي عملية مستمره، فالازهر كما أشار  الرئيس، في حاجه إلى أن يمتلك أبناءه، الأساليب الحديثة ، في مخاطبة العالم، وان يمتلكون الرؤية المعاصرة للمجتمع، والتعاطي مع معطيات العصر، والتعامل معه. وان يستعيد  دوره العالمي، كمنارة إشعاع لتجديد الفكر الإسلامى ، وفقا لمتغيرات العصر، والمساهمة بقوة في الحضارة الانسانية.

 

كما نتمني من الازهر ان لاتكون الفتوى والتصدي لامور الدين علي المشاع وان يقوم بالتدخل لتنظيم مجتمع المنتسبين له من دعاه وعلماء وان تكون هناك وسيلة للتفرقة بين من هو  داعية او عالم اومفتي او مجتهد  حتى لا تختلط الأوراق و يساء الي الإسلام ممن ينتسبون له .

مواضيع مرتبطة

التعليقات