• الثلاثاء 28 يناير 2020 - 16:53
  • 864

 

*باحث في شؤون التنمية والمجتمع المدني

 

     لا ينكر أحد، أن مستقبل مصر، وتحقيق القفزات التنموية في شتى المجالات، لن يتحقق بالشكل المأمول، ما دمنا لا نسعى كمجتمع بشكل جدي إلى تنمية وتمكين الشباب؛ فالشباب هم طاقة التغيير، ووقود التنمية، ومصدر الإبداع والابتكار الاجتماعي، القادرين على  مكافحة الفساد، وإعادة الحياة لمؤسسات الدولة المترهلة، والنهوض بالحياة المدنية، والسياسية، والاقتصادية؛ ففي العقود الماضية، كانت سياسات الاقصاء والتهميش للشباب، هي قانون يحكم الدولة المصرية، ولم يكن للمتفوقين والمبدعين في المشهد المصري مكانا، وهو ما انعكست نتائجه على الحالة المصرية بصفة عامة، وخلقت أزمة نتيجة لغياب الدولة، ما جعل الشباب معرض للكثير من المظاهر الاجتماعية السلبية، وخاصة في ظل ضعف منظومة التعليم، وغياب منظومة الثقافة والفنون والإبداع، وعدم انضباط منظومة الإعلام؛ كل ذلك شكَّل حزمة من التحديات، أمام تكوين هوية الشباب، وتشكيل شخصيتهم، ورؤيتهم، وتوجهاتهم، وبالتالي ضعف دمجهم مجتمعيا، فشاخت مصر، وترهَّلت في كافة المجالات، وأصبحت أزمة الشباب  تهدد كيان الدولة المصرية، وتهدد أمنها القومي، بشكل يصيب مستقبل مصر بشلل وعجز محقق.

 

     ولقد تصاعدت تلك الأزمة، حتي قيام ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، والتي تم فيها توظيف أزمة الشباب لتهديد استقرار الدولة المصرية والنيل منها، ولكن، ونتيجة لانشغال مصر بعد ٢٠١١ بالشؤون السياسية، والسعي لاستقرار  الدولة والحفاظ على تماسكها، لم يتم التصدي لتلك الأزمة بحلول جذرية، ورؤية مجتمعية واضحة.

 

     فمن واقع بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، يبلغ عدد الشباب  20.2 مليون نسمة، في الفئة العمرية (18 ـ 29 سنة)، أي بنسبة 21% من إجمالي السكان، (50،6% ذكور، 49،4% إناث)، وذلك وفقا لتقديرات السكان خلال عام 2019، وأن نسبة الشباب الذين لم يلتحقوا بالتعليم من إجمالي الشباب، بلغ 16،7%، (14،2% ذكور،19،3% إناث)، كما بلغت نسبة الشباب الذين التحقوا و تسربوا حوالي 10% من إجمالي الشباب، وتتضاعف هذه النسبة في الريف بالمقارنة بالحضر، بنسبة (12،6% مقابل 6،5%) على التوالي.

 

     هذا بالإضافة إلى ما تشير له الكثير من الدراسات، في وضعية شباب اليوم وما يتعرضون له من مشكلات وتحديات، مثل: محاولتهم لقتل الوقت، بالتواجد على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت لفترات زمنية طويلة، والبطالة وعدم وجود فرص وظيفية تناسب مهاراتهم، وانتشار الأمراض النفسية بينهم، نتيجة للخوف والقلق والشعور بالإحباط من المستقبل، والتأخر في الزواج، بسبب عدم قدرتهم على تلبية متطلباته، ومشكلات الطلاق المنتشرة لأسباب تافهة، وعدم الاكتفاء الروحي أو الديني، وظاهرة الإلحاد، والانفتاح الثقافي اللامحدود والتداخل بين عدة ثقافات، وتهديد قدراتهم على الاندماج مع مظاهر الهوية المصرية، وعدم وجود قدوات ترشد الشباب إلى المسارات السليمة في الحياة، والمشكلات الخاصة بالتدهور الصحي بتعاطي المخدرات والكحول والتدخين، وضعف دمج الشباب في أنشطة المجتمع السياسية والاجتماعية؛ تلك أهم المشكلات التي تشكِّل أزمة الشباب داخل المجتمع.

 

     فوضع الشباب اليوم هو استكمالاً لوضعهم في العهود السابقة، ما يجعلنا ندعو جميع المعنيين بقضية الشباب إلى إعادة  النظر  في تناول قضايا الشباب؛ فأزمة الشباب أزمة حقيقية، لا تنعكس علي الشباب فقط ، بل علي المجتمع ككل، ولها مردود حالي وفي المستقبل القريب.

 

    فالمجهودات التي تتم  حاليا مازالت غير كافية، و لا تحقق الإشباع الحقيقي، وليست على مستوى الأزمة؛ فحالة شباب مصر الحالية، تفرض على جميع المعنيون بقضايا الشباب والتنمية المستدامة، الوقوف للحظات، وتقييم ما يتم حاليا من جميع الأطراف، والتساؤل "هل حقا ما يتم من مجهودات يلبي ويحقق أهداف دمج وتمكين الشباب، بدأ من الحكومة، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص؟ أم أنها فقاعة تحت مسمى التنمية والتمكين؟ وهل نمتلك رؤية واضحة وسياسات تستهدف تمكين الشباب مجتمعيا ؟

 

     إن تضافر الجهود لدمج وتمكين الشباب، بشكل سليم ومتكامل، يتوافق مع فلسفة التنمية، ومتطلباتها المستقبلية، بضرورة تحسين جودة المواطن، وتلبية احتياجات المجتمع، من توفير قيادات مبدعة قادرة، تمتلك أحدث الأساليب في إدارة مرافق الدولة، وأيدي عاملة، تمتلك التقنيات والمهارات الحديثة، لإقامة حياة اقتصادية سليمه؛ فهل نحن كمجتمع في الطريق لإحداث ذلك؟

 

     كما أن فلسفة التمكين في التنمية، تشتمل على ستة أركان أو أبعاد، لا يمكن فصلها  بعضها عن بعض؛ فهي تعمل معا بتكامل وتناغم حين التركيز عليها؛ وهذه الأبعاد هي: البعد النفسي، والبعد المجتمعي، والبعد التنظيمي، والبعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد الثقافي؛ وهي أبعاد لا يمكن تجاهلها أو إقصاء أي بعد منها، في حالة السعي الحقيقي لتنمية وتمكين الشباب مجتمعيا.

 

     فالتمكين النفسي للشباب، يقصد به، تعزيز وعي الشاب بقدراته ومهاراته الشخصية، وبذاته، وأبعادها، وكيفية استثمار ما حباه الله به من قدرات شخصية في تحقيق حياة اجتماعية ومهنية صحية، وكذلك  الوعي بالمشاكل والحلول، وكيف يمكن للشاب معالجة المشاكل التي تضر بجودة حياته، ويهدف هذا البعد إلى خلق الثقة بالنفس، وإعطاء الشباب المهارات الاجتماعية  اللازمة، والعمل على إكسابهم المعرفة بصورها الحديثة.

 

     ويركز التمكين الاجتماعي، على تعزيز المجتمع، من خلال تنمية المهارات القيادية للشباب، وتحسين التواصل المجتمعي لديهم، وإنشاء شبكة من الدعم المجتمعي أيضًا، وإتاحة ممارسة الأدوار المجتمعية والسياسية لهم داخل المجتمع.

 

     بينما يهدف التمكين التنظيمي، إلى خلق قاعدة من الموارد التنظيمية  كالمنظمات التطوعية، والنقابات، ونظم الحماية الاجتماعية، وتمكينهم من فرص الانضمام والإدارة والمشاركة في وضع الرؤى بمؤسسات المجتمع.

 

     أما التمكين الاقتصادي للشباب، فيستهدف إكسابهم مهارات تنظيم المشاريع، وكيفية حصولهم على دخل آمن، وإعدادهم وفقا لمتطلبات سوق العمل، وتيسير الوصول إلى فرص عمل بسهولة.

 

     ويهدف التمكين الثقافي للشباب،  إلى إكسابهم الموروث الثقافي، وتمكينهم من ممارسته، ومعايشته، والإبداع الثقافي والفني لهم.

 

     إذًا فتنمية وتمكين الشباب مجتمعيًا، له أبعاد متعددة ومتكاملة أكثر من أنها دمج للشباب داخل مؤسسات الدولة فقط ، ككوادر أو قيادات، وإن كان مطلوب ذلك، ولكنه غير كافي لتحقيق تنمية وتمكين الشباب.

 

     فالتنمية الحقيقية وتطوير المجتمع تحتاج منا لرؤية أكثر وضوحًا لتنمية وتمكين شباب اليوم؛ رؤية تعمل على جميع تلك الأبعاد؛ وهو ما يتطلب تضافر وتكامل الجهود بين جميع الأطراف داخل المجتمع، فهي مسؤلية الجميع، ويجب ألا يعمل كل قطاع في جزيرة منفصلة، لأنها قضية تحتاج لتضافر الجهود، وتمس مستقبل مصر، واستقرار المجتمع؛ فشباب اليوم، هم أمانه في أيدينا، وغدا نحن أمانه في أيديهم؛ فهم قادة المستقبل.

مواضيع مرتبطة

التعليقات